القمة العالمية للحكومات تستعرض التجربة اليابانية في هندسة السلوكيات

تتبع اليابان أساليب مبتكرة وقد تبدو غريبة في بعض الأحيان في تعاملها مع مشاكل وقضايا ذات أهمية عالمية كالاستدامة والتنمية الاقتصادية وتدوير الموارد وغيرها. إلا أن هذا هو ما يضفي على الثقافة اليابانية رونقاً براقاً يجعل من الأهمية بمكان لدول العالم الأخرى أن تتطلع إلى التجربة اليابانية وأن تستلهم منها دروساً وعبر للوصول إلى ما وصلته اليابان من تطور.

وفي جلسة حملت عنوان "النموذج الياباني في هندسة السلوكيات"، تحدث مورينوسوك كاواكوجي، خبير في استشراف المستقبل والابتكار، عن أهمية توظيف اليابانيين لأيقوناتهم الثقافية في مختلف مناحي الحياة العامة، وذكر أنه على غير المعتاد تتبنى حملة توعوية لأجهزة الشرطة في اليابان، موضوعها مهم وشديد الخطورة هو مكافحة المخدرات، ملصقات مضحكة وكرتونية. كما تقوم البلدية بوضع أشكال من الكرتون الياباني المحببة للناس عند إغلاق الشوارع للبناء وغيره، بدل أن تضع المخروط البرتقالي المتعارف عليه عالمياً.

وأكد كاواكوجي أن الزائر في اليابان سيجد صوراً وعارضات وأشخاص يرتدون أزياء بوكيمون وهيلو كيتي وغيرها من الشخصيات الكرتونية في ملايين المواقف والسياقات والتي يتم توظيفها بغية التخفيف من وطئ موقف معين على الشعب الياباني وزواره.

وقال كاواكوجي: "تكمن أهمية الأيقونات الثقافية في أنها ناقل مهم لقيم وعادات وتاريخ بلد ما إلى خارج حدوده، كما أنها تلعب دوراً في إضفاء طابع الحميمية داخل المجتمع الياباني. بالإضافة، يتم التعامل مع المواقف الصعبة والمشاكل التي تعتمل داخل المجتمع الياباني بطريقة فكاهية مما قد يقلل من نسب التوتر ويقود الناس إلى التعامل بروية أكثر في تلك المواقف".

وأضاف: "إن هذه الاستخدامات الثقافية متجذرة منذ تاريخ بعيد في داخل المجتمع الياباني، فالمجتمع بمجمله يميل إلى أنسنة الأشياء والتحبب إلى أي شيء أو شخص قريب عليه. ففي اليابان تنتشر ظاهرة الاعتذار وإظهار الأخلاق الحسنة مع الآخرين. هي سمة من أهم مزايا الشعب الياباني والتي تظهر أن الفرد يحرص على عدم الإضرار بمشاعر من حوله، فترى الشاب ينحني لو رأى كبار سن أمامه على سبيل المثال وهو ما يدل على الاحترام الكبير للإنسان الكبير. ولا يقتصر احترام الإنسان الياباني للإنسان فحسب، بل يشمل في هذا الاحترام والمحبة الأشياء كذلك، فنرى موظفي "كي إف سي" يحتفلون كل عام بسنوية المطعم في احتفال تسود فيه مظاهر الاحترام والمحبة لهذا المكان الذي يطعم الكثيرين من أبناء الشعب".

كما ضرب أمثلة أخرى لمناسبات يقوم فيها اليابانيون بإحياء ذكرى إحدى الأدوات المهمة في البيت أو الأجهزة الكهربائية التي خربت ولم تعد تعمل. كما أشار إلى أن الشعب الياباني يحتفل بتوديع وسائل المواصلات العامة التي تنتهي خدمتها، فهم لا يعتبرونها أداة مواصلات فقط، فالنسبة لهم هي شريك في الحياة، شيء قام بإعانتهم على قضاء حاجة في حياتنا.

واختتم كاواكوجي بدعوته إلى أنسنة الأشياء من حولنا مما يحد من بعض الجوانب السيئة في نمط الحياة التي تتنامى فيها معدلات الاستهلاكية باضطراد اليوم. فقال أن من أهم القيم التي يعيش وفقها المجتمع الياباني هي أن الفوز في سباق الحياة ليس هو الأولوية، بل الأهم هو كيف تم هذا الفوز وهذا التقدم، واعتبر أن هذه هي نقطة الانطلاق نحو حياة مستدامة وتسودها الأخلاق.